قديما كانت حضرموت تسمى الأحقاف ( و اذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف )
. و إنما سميت حضرموت لسبب ذكره بعض المؤرخين , ذلك أن عامر ابن قحطان أول
من نزل الأحقاف , فكان إذا حضر حربا أكثر من القتل , فصاروا يقولون عند
حضوره : حضر موت , ثم صار ذلك عليه لقبا , و صاروا يقولون للأرض التي بها
قبيلته : هذه أرض حضرموت, ثم أطلق على البلاد نفسها و في التوراة اسم
حضرموت : حاضر ميت . ولقد كانت حضرموت موطن عاد و أقيال التبابعة و ملوك
حمير و كنده .
عاد هم بنو عاد بن عوص بن إرم بن سام , و كان
أبوهم أولمن ملك في العرب و طال عمره و كثر ولده , و لما مات ملك بعده
أبناؤه الثلاثة : شداد و هو الذي وطئ الممالك ,و استولى على الشام , والهند
والعراق , و بعد شديد , وبعد إرم , و هو الذي بنى إرم كما ذكره ابن سعد عن
البيهقي , وقيل شداد باني إرم , قال بعض المؤرخين : إنه لما سمع إرم أو
شداد بالجنة و ما فيها من النعيم و قصور الذهب و الفضة بنى مدينة إرم في
حضرموت, و قيل في صحارى عدن . و شيدها بصخور الذهب وأساطين الياقوتو
الزبرجد و العقيق . وجعل ترابها المسك و الزعفران , و أجرى من تحتها
السواقي و الأنهار , ونصب على حافة تلك السواقي و الأنهار أشجارا من الذهب
ثمرها اليواقيت و الجواهر , وسورها بسور رفيع من الذهب و الفضة قيل أنه مكث
في بنائها مدة طويلة , ثم بعث الله إليه هودا عليه السلام فلم يؤمن به , و
أنذره بالعذاب الأليم , فلم يبال بتهديده و لا بوعيده , و لم يرتدع عما
كان عليه من الطغيان و الكبرياء , فخرج في ثلاثمائة ألف رجل من حسه و
مواليه و غيرهم و سار إلى جنته التي بناها , و خلف على ملكه ابنه مرثد , و
كان مرثد فيما يقال مؤمنا بهود عليه السلام , فلما قرب شداد من المدينة
جاءت صيحة من السماء , فمات هو و رجاله , وساحت المدينة في الأرض فلم
يدخلها أحد , و قيل دخلها رجل يقال له عبد الله بن قلابة في أيام معاوية بن
أبي سفيان , قال : إنه خرج من صنعاء باحثا عن إبل له ضلت , فأفضى به السير
إلى مدينة صفتها كما ذكرنا آنفا , و أخذ منها شيئا من المسك و الكافور و
الياقوت , و ذهب إلى معاوية بالشام و أخبره بذلك , و الحكاية طويلة و ليس
لها حظ من الصحة , و إنما هي من الأخبار المنمقة المصطنعة , ويقال إنهم
وقفوا على حفيرة بحضرموت , فإذا بيت في الجبل منقور 100 ذراع في 40 , و في
صدره سريران عظيمان من ذهب على أحدهما رجل عظيم الجسم , وعند رأسه لوح
مكتوب فيه : اعتبر أيها المغرور بالعمر المديد أنا شداد بن عاد =صاحب الحصن المشيد و أخو القوة والبأ = س و ذو الملك الحشيد دان أهل الأرض طرا = لي من خوف و عيدي فأتي هود و كنا = في ضلال قبل هود فدعانا لو أجبنا = ه إلى الأمر الرشيد فعصيناه = و نادينا ألا هل من محيد فأتتنا صيحة تهوى من الأفق البعيد
و هذه القصة أيضا غير صحيحة , و يقول ياقوت إنها من أخبار القصاص المنمقة و
اوضاعهم المزوقة , و يقول الزمخشري إن إرم بلد منه الأسكندرية . و
قال آخرون : معنى إرم الهالك , فقد روى عن ابن عباس ( ألم تر كيف فعل ربك
بعاد إرم ) يعني بالإرم الهالك , و عن عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله
( بعاد إرم ) يعني الهالك , ألا ترى أنك تقول : إرم بنو فلان :أي هلكوا . و
قال الطبري بعد إيراد الخلافات : (( و أشبه الأقوال فيه بالصواب عندي ,
أنها اسم قبيلة من عاد , و لذلك جاء في القرآن بترك إضافة عاد إليها , و
ترك إجرائها , كما يقال : ألم تر ما فعل ربك بتميم نهشل , و هي قبيلة ,
فترك إجراؤها لذلك , و هي في موضع خفض بالبرد على تميم , و لو كانت إرم اسم
بلدة أو اسم جد لعاد , لجاءت القراءة بإضافة عاد إليها و ترك إجراؤها ,
كما يقال : هذا عمرو زبيد و حاتم طيء وأعشى همدان , ولكنها اسم قبيلة منها
فيما أرى كما قال قتادة , و الله أعلم )) . و قوله تعالى : (( ذات
العماد )) اختلف فيه , فقال بعضهم : معناه ذات الطول , والعرب تقول للطويل :
هذا رجل معمد , وقيل معنى ذات العماد أنهم كانوا أهل عمد ينتجون الغيوث و
ينتقلون إلى الكلأ حيث كان , و قال الطبري : ( و أشبه الأقوال في ذلك ما دل
عليه ظاهر التنزيل قول من قال : عنى بذلك أنهم كانوا أهل عمود سيارة , لأن
المعروف في كلام العرب من العماد ما عمد به الخيام من الخشب والسواي التي
يحمل عليها البناء , و لا يعلم بناء كان لهم بالعماد بخبر صحيح , وقال : و
أما قوله (( لم يخلق مثلها )) أي في البطش و القوة , نقول هذا هو الصحيح ,
فإن عادا كانت على جانب عظيم منت العظمة و الكبرياء و الجبروت لم يخلق في
العالم في عصرهم شعب مثلهم في القوة و الكبرياء و السلطان , ولما دعاهم هود
عليه السلام لعبادة الله لم يتبعوه و أنذرهم بالعذاب وحذرهم و خوفهم زوال
ملكهم , فلم يرتدعوا عما كانوا عليه لغرورهم و كب! ريائهم , فأرسلت الصيحة
من السماء ( غضب الله ) فأهلكتهم و أبادت قوتهم وعظمتهم , )) و يقول ابن
خلدون الحضرمي في تايخه : و الصحيح أنه ليس هناك مدينة اسمها إرم , و إنما
هذا من خرافات القصاص , و إنما ينقله ضعفاء المفسرين , و إرم المذكورة في
قوله تعالى : (( إرم ذات العماد )) القبيلة لا البلد .
الأقيال
كانت حضرموت منذ العصور الواغلة في القدم تنقسم إلى إمارات صغرى, أو أقيال
( جمع قيل ) و القيل هو الأمير يسكن حصنا أو قلعة , و من حوله بيوت
الأنصار و الأعوان و الحاشية و الخدم , و كذلك الشأن في اليمن , فإنها كانت
تنقسم إلى محافد , والمحفد مجموعة من البيوت أو القرى المتجاورة يتولى
شئونها أمير أو قيل , و كان هؤلاء الأقيال أشبه بالأشراف في عهد الإقطاع في
القرون الوسطى بأوروبا . و في حضرموت أقيال كثيرون , و لكن أشهرهم كان في
دمّون و شبام و هينن و العروض و عندل و الشحر , ويعرف أصحاب المحافد
بالأذواء جمع ذو أي صاحب , و قد جمع الحميري أسماءهم في قصيدته الآتية : ابن المثامنة الملوك و ملكهم = ذلوا لصرف الدهر بعد جماح ذو ثعلبان و ذو خليل ثم ذو = شجر و ذوجدن و ذوصرواح أو ذو مغار بعد أو ذو جرفز = ولقد محا ذا عثكلان ماح أو ذو مرائد جدنا القيل ابن ذي=شجر أبو الأذواء رحب الساح وبنوء ذو فين و ذو سفر و ذو =عمران أهل مكارم وسماح و القيل ذو ربيان من أبنائه =راح الحمام إليه بالرواح أو أين ذو الرمحين أو ذو يرحم = سقيا بكأس للمنون ذباح أم أين ذو بهر أو ذو يزن و ذو =نوش و ذو نوح و ذو الأنواح أم أين ذو فيقان أو ذو أصبح=لم ينج بالإمساء و الإصباح أم أين ذو الشعبين أصبح صدعه=لم يلتئم لمثقف الأقداح أو ذو حوال حيل دون مرامه=أو ذو رعين لم يفز بفلاح أم أين ذو غمدان أو ذو فائش أو ذو الكناس و ذو الكلاع و يحصب = أضحوا و هم للنائبات أضاحي أم أين ذو فنان أو ذو أقرع =أو ذو الجنانح هزبر كل كفاح أو ذو العبير وذو ذرانج خانه =دهر بعيد اليسر كالذلاح أم أين ذو بينين أم ذو أنمر =و بنو شراحيل و آل شراح أم أين ذو وثاب و ذو هكر و ذو = نمر و ذو ضر و ذو المسراح أم أين ذو غيمان أو ذو شودن = اللاهي ببيض في النساء ملاح أم أين ذو شهران أو ذو ماور =أضحت ديارهم بلا قداح أم أين ذو فهد و شمال ابنه = فلقد عفاهم دهرهم بمتاح أم أين ذو شحط و ذو تبع معا =أو ذو ملاح لهو خير ملاح أم أين ذو أوسان أو ذو ماذن=أم أين ذو التيجان و الأبراح و عياهل من حضرموت من بني =أحماد ذي الأشبال آل صباح و الغر من جدن و أبنا مرة=وبني شبيب و الألى من ناح وبني الهزيل و آل فهد منهم =من كل هش بالندى مرتاح
و كانوا يتغازون و يتنازعون , يهجم القوي على من دونه فيتغلب عليه فيستولي
على أملاكه , فإذا امتدت سلطته واتسع نفوذه و طار صيته , كون مملكة و سمى
نفسه ملكا , وعلى هذه الكيفية تكونت الممالك ,ونشأت الدول في جزيرة العرب .
الدولة الحميرية HOMERITAE من سنة 115 ق م – 525 ب م
كان الحميريون يقيمون في ريدان ( ظفار ) و لما ضعفت دولة السبائيين Sabaei
تغلب عليها الحميريون و استولوا عليها و حكموا ريدان وسبأ معا , ثم طمع
الحميريون في حضرموت , فاستولوا عليها في عهد شمر يرعش . و تنقسم
الدولة الحميرية إلى دورين : فأصحاب الدور الأول كانوا يحكمون ريدان وسبأ ,
و هؤلاء لا يهمنا ذكرهم , والثاني : وعددهم 13 ملكا حكموا سبأ و حضرموت
وظفار التي صارت وقتئذ تابعة لحضرموت ومن أعمالها . و هذه أسماؤهم و مدة حكمهم من سنة 275 – 525 م: اسم الملك مدة الحكم شمر يرعش 25 ذو القرنين أو أفريقس 20 عمرو زوج بلقيس 1 بلقيس و تسمى الفارعة 15 الهدهاد أخوها 29 ملكيكرب بو ينعم 11 أبو كرب أسعد بن ملكيكرب 35 حسان بن أسعد 5 شرحبيل يعفر بن أسعند 30 شرحبيل ينوف 15 معدي يكرب ينعم وابنه لحيعه 25 مرثد اللات ينوف 20 ذو نواس 10
هذا ما ذكره اليونانيون , وتأيد بعضه بما وجد منقوشا على بعض الآثار [2], و
لكن تعدادهم هذا لم يكن مقطوعا به , فلا ينهض حجة في الموضوع , إذ ربما
كان هناك أسماء ملوك آخرين لم يقفوا عليها في الآثار التي لا تزال مدفونة
في الرمال , و في بطون الأودية و الجبال , أما العرب فقد خالفوا ما ذكره
هؤلاء من بعض الوجوه , فقا! لوا : إن عدد ملوك حمير الذين حكموا حضرموت 26 ,
و مدة حكمهم 1700 , و هذه أسماؤهم و مدة حكمهم : اسم الملك مدة الحكم اسم الملك مدة الحكم الحارث الرائش 125 أبرهة ذو المنار 183 أفريقس بن أبرهة 164 حسان بن تبع 70 العبد ذو الأذعار 25 عمرو بن تبع 63 هداد بن شراحيل 75 عبيد كلال 74 بلقيس بنت هداد 20 تبع بن حسان 78 ناشر ينعم 85 مرثد بن عبيد 41 شمر يرعش 37 و ليعة بن مرثد 47 أبو مالك 55 أبرهةبن الصباح 00 تبع بن الأقرن 53 أصبهان بن محرث 15 ذو جيشان 70 حسان بن عمرو بن تبع 57 الأقرن بن أبي مالك 163 ذو شناتر 72 كليكرب 35 ذو نواس 20 أسعد أبو كرب 120 ذو جدن 8
و مما دونته التواريخ , و حفظته بطون الأوراق , أن دولة حمير دولة قوة و
فتح وحضارة و مدنية , فشمر أبو كرب أول ملك حميري حضرمي , اخترق بجيشة شمال
الجزيرة العربية , و غزا العراق و فارس , و احتل مدينة الصغد وراء جيحون ,
و هناك بني مدينة شمر كنت التي عرّبت فقيل سمرقند . و من مشاهيرهم
إفريقس , فقد اخترق شمال أفريقية , و فتح المغرب , و نقل قبائل عربية إليها
, و منهم أسعد أبو كرب , و طئ أرض أذربيجان واحتلها , وحارب الترك , وبعث
ابنه حسانا إلى الصغد , و ابنه جعفرا إلى القسطنطينية و الروم , فقدم له
أهل القسطنطينية الجزية , و سار إلى دومة و حصرها , فأصيب بعض عسكره
بالطاعون , فاستضعفهم الروم و حاربوهم , فقتلوهم جميعا . وأرسل ابن أخيه
شمر ذا الجناح إلى الفرس , فهزمهم ,و غزا الصين , فوجد حسانا قد سبقه إليها
فغلبا الصين , و انصرفا بما معهما من الغنائم العظيمة , و قيل إن قوما من
الحميريين أعجبتهم بلاد الصين فاستوطنوها , ,اندمجوا في أهلها , و تخلقوا
بأخلاقهم . و في سنة 435 م غزا الأحباش الحميريين و استولوا على اليمن و
حكموها سنة 374 , و لكن حضرموت لم تدخل في حكمهم ولم تخضع لسلطتهم , سواء
في أيام العلى اسكندري , ! أو في عهد ولديه عيزاناس وسازاناس , , فهي حافظت
على استقلالها , و في أواخر سنة 374م استرد اليمن ملكيكرب , و في القرن
السادس غزا نجران ذو نواس , ويسميه اليونانيون دمياننوس , و كانت النصرانية
قد انتشرت فيها , و كان هو متعصبا لليهودية فاستولى عليها و عرض على أهلها
اليهودية فامتنعوا و فوضعهم في أخاديد و أحرقهم , و هدم بيعهم , و لما بلغ
ذلك النجاشي ملك الحبشة أرسل سبعين ألفا تحت قيادة أرباط إلى اليمن , و
أثخنوا في القتل , و فرّ ذو نواس خوفا من الأسر , اقتحم فرسه البحر , فمضى
به فرسه فغرق , و احتل أرباط اليمن ,و هدم الحصون و بعث بالسبي إلى ملك
الحبشة رجالا و نساء و أطفالا , و كانت مدة حمكهم 74 سنة , منها 20 سنة
لأرباط و 23 لأبرهة , و 19 سنة ليكوم و 12 لمسروق , و في كل عهود هؤلاء
الملوك حافظت حضرموت على استقلالها و لم تخضع لهم في أي شأن من شئونها
الداخلية أو الخارجية , كما حافظت على استقلالها في عهد استيلاء الفرس على
اليمن . [3]
0 تعليقات